آخر الخيول البيضاء… هو آخرها…
التقينا … كان لقاؤنا كالحب من طرفٍ واحدٍ، طرفي… وليس عابراً، فقد لحقته لقاءات أخرى، أيضاً من طَرفي الوحيد…
لا يشبه إلا نفسه، شعره الرمادي ونظاراته، تسكن عند زاويتهما ذاكرة تنبض بقوة كدقاتِ قلبٍ فتيةٍ رغم كبرها، ذاكرة جمع تفاصيلها وأضافها ليس مرغماً عمراً آخر إلى عمره.
بحنينٍ لم يعد يتقنه سواه، كان بين أولئك الشباب الذين التفوا حوله ليُوَثِّقوا لحظتهم بصورةٍ يتكئون عليها حين تضعف ذاكرتهم، وبعد أن حفظوا لقاءهم به بعدد من الصور، اعتذر منهم بعد أن ملأت إضاءة كاميراتهم المكان وأفسح المجال لعازفي الأوركسترا ليبدأوا حفلهم.
لقاؤنا الثاني ذكّرني بالشاعر أدونيس، حين سُئل عن الجماهرية الفنية للأديب، قال إن أكبر أكذوبة فنية هي “الجمهور”، وأنه يقيس تدني الشاعر بجماهيريته. محمود درويش أيضاً كان يعتبر أن النجومية لا تعني شعراً عظيماً بل قد تخفي شاعراً ضعيفاً، أتراه هو أيضاً له هذه الفلسفة، لأراه يمشي وحده مغادراً إحدى الأسواق التجارية دون تجمهر حوله، وكأنه مغلف بشفافية أدبية تحميه من خطر جمهوره.
رأيته حقاً، أم خداع بصري أصابني تحت سحر الشِّعر، أنيقاً كما لو كانت أمسيته الشعرية، ياسمين الليل أرسل لي إشارة بأن رائحته تعني شيئاً، كنت في زحامِ كلمات وصورٍ شعرية تتقاذف مخيلتي، حين انتهت الأمسية الشعرية، والتحق الحضور بشاعرهم، أصر الياسمين على أن ألتفت خلفي… رأيته مغادراً، كان بيننا يغذي روحه بكلمات شاعر غيره.
قال حقيقته برحيله السريع، مزق بقايا الغرور وغاب… اختفى فجأة كما ظهر في جوف الغرابة وتساؤلاتي!
قاوم بغزارة حروفه وكتبه للحفاظ على الحرف العربي في حرب اللغة، حرب مضافة إلى حرب شعبه … هو ابن من حلموا بالعودة وماتوا غرباء…
لو كانت أعمال الأدباء هي أسماؤهم لكان هو “الذاكرة الفلسطينية” …
وكأن الخير يأتي خيلاً … أصيلاً كأصالته
لم أر يوماً جنوناً بهذا الهدوء…
إبراهيم نصرالله دمتَ على تواضعٍ كما أنت…
كما أرادت لنا أمّنا… سيدة الأرض… فلسطين…
جلنار