ما أظهره فيروس كورونا عن علاقة الشعوب بالحكومات

للدولة مفاهيم كثيرة، قد ينظر كل شخص إليها ويعطيها وجوداً ومفهوماً مختلفاً، ذلك طبعاً غير تلك التفسيرات الكثيرة التي قد تدّعيها النظريات السياسية لتسيطر على الدول وإن كانت هي أيضاً جزءاً من تكوين الدولة ذاتها. وبكل الأحوال تبقى هناك ركائز أسياسية متفق عليها، وهي بمثابة الهرم المكوِّن للدولة، وهي الشعب، والأرض، والحكم. 

أذكر مرة بينما نعيش الصراعات بأنواعها، السياسية والإقتصادية، ونتلقى نتائجها كشعوب، بأني في لحظة تأمل مضحكة، وبالنظر لما هو قائم ومعمول به، لم أجد ما يستدعي أن يكون الشعب أحد ركائز الدولة الرئيسية، لعلّه بحكم وجوده الذي لا محالة منه، يدخل حتماً ضمن أحد التصنيفات، كأن يكون أحد الأشياء التي تحملها الأرض، أو ملكية تعود إلى من يتولى الحكم، لكنه ليس بأي حال ركن مستقل ترتكز على وجوده الدولة كما يُفترض، حينها أضحكني أن يكون للشعب دوره الهام، فكيف له هذه الأهمية  في بناء الدولة، وهو يجني نتائج قرارات الساسة ويتحمل وزر ذنوب لم يكن شريكاً في اتخاذها، ورغم ذلك فهو بلا شك الأكثر تأثراً بها. كتأثره بالحروب وهي مجرد مثال لخطر يتجدد عبر الأزمنة، وضحيته الشعب الذي يُقتل ويُباد ويُحارَب. ففي الحرب إما أن نموت أو نرى الموت، فهل يُعقل أن تقوم أي حرب بمباركة الشعب على موته؟. الأرض تبقى وإن إتخذت شكلاً جديداً، والأنظمة تبقى وتحتاج إلى أجيال وأزمنة ليتغير شكلها، أما الشعب فهو الضحية الأولى والمستمرة.

ما يحدث حالياً من تغيير كبير في وجه العالم الهَرِم يطال تلك العلاقة الأزلية بين الشعب والحكومات، فهذه هي المرة الأولى بفضل جائحة كورونا العالمية، يتصدر الشعب القائمة، وتُتّخذُ الإجراءات لحمايته وتصبح الأرواح وسلامتها الهمّ الأول، وتغدو حصيلة الأموات مقياس لفشل إدارة الحكومات للأزمة في بلادها. 

في نيوزيلاندا الشعب شريك الحكومة، هكذا أعلنت رئيسة وزراء نيوزيلاندا حين قالت:”فريقنا مكون من خمسة ملايين”، وقَبِل الشعب شراكتها، لتكون بلادهم من أكثر بلدان العالم إحتواءاً للأزمة، التعاطف الكبير الذي أظهرته رئيسة الوزراء، في خطاباتها وقراراتها، وفي تواصلها مع الشعب بتلقائية، كان السر في نجاحها، لم تُعلِن الحرب كغيرها على الوباء، بل أعلنت الشراكة والدعم لتواجه وفريقها الوباء بالتساوي ذلك ما جعل الشعب أكثر إلتزاماً بقراراتٍ شعر أنه جزءاً منها وتمسّ مصلحته في الوقت نفسه. التعاطف حلّ مكان القوة والضغط، وكان أكثر نجاحاً وتميزاً. 

هذا التعاطف النادر والشراكة الأكثر ندرة بين الشعب والحكومة هما ما تحتاجه الشعوب وما ظنت أنه حق يسهل تطبيقه باعتبار الشعب أحد ركائز الدولة ومقومات وجودها، ولم يحدث أن مارسته من قبل، ذلك ما جعل ردود فعل الشعوب اتجاه حكوماتها، حتى الناجحة منها في إدارة الأزمة متباينة، فبرغم قدرة بعض الحكومات على إحتواء ما أنتجه تفشي فيروس كورونا بالنظر للإجراءات التي اتبعتها وسرعة أدائها، قد لا يجد أي طرف نفسه منتمياً للآخر، فالحكومة تصرح بقراراتها وتفترض وجوب التزام الشعب، والشعب ينفذ قرارتها، وإن لمسَ نتائج ايجابية فليس بالضرورة أن يتولد لديه رغبة في تقدير أو شكر إدارة الحكومة على تنفيذ واجب كان منذ البداية دورها الأجلّ والأهم وهو حمايته من أي طارئ يهدده، الفرق بأن ما طرأ هذه المرة فرض نفسه بصورة غير سياسية وجعل من نفسه غطاءاً قاتماً غطى العالم بأكمله، فأضحت الحكومات مجبرة على الإلتفات إلى الشعب، والذي لا يجد جهودها وإن كانت ناجحة كما أسلفت، شيئاً تُشكر أو تُثنى عليه، بل قد يجد للمرة الأولى نفسه يمارس حقاً طبيعاً من حقوقه وهو “الحماية”. وتمارس الحكومات واجباً كان مهملاً، ما يجعلها تتخبط في أداء دور كادت أن تنساه.