كتاباتي

العزلة وطن آخر..

العزلة مفهوم متناقض ومفارقة غنية، هناك من يعتبرها ضرورة ماسة يحتاج إليها ويسعى للحصول عليها وسط فوضى الحياة،  وهناك من هم على النقيض ليس بمقدورهم إعتزال مخالطة الآخرين حولهم من أهل أو أصدقاء أو زملاء معظم ساعات يومهم وعلى اختلاف ظروفهم، بينما يرتبك محب العزلة بعيداً عن عزلته، بالنسبة إليه هي فن لا يتقنه إلا محترف باستطاعته تحويلها إلى إلهام مثمر. 

غالباً ثمة وجه خاص أكثر صدقاً يتكشّف لنا حين ننأى بأنفسنا منفردين عن متاهات الدنيا، كافكا الذي عادة ما يتم الحديث عنه حين يتناول الكتّاب موضوع العزلة وذلك لانعكاس عزلته التي اشتهر بها بشكل جليّ على نصوصه وكتاباته، له قول جميل “خجلتُ من نَفسي عِندما أدركتُ، أنّ الحياة حفلةٌ تنكَرية، وأنا حضَرتُها بوجهي الحقيقي.” كل منا يدرك وحده الوجه الحقيقي لذاته، ذلك ما يجعل من العزلة  فرصة إلتقاء بعيدة كل البعد عن أوجه الزيف الكثيرة حولنا. 

قد تكون العزلة منبر نعبّر من خلاله عن أسرار ليس باستطاعتنا مواجهة الآخرين بها بصمت غريب وحرّ يصرّح عما تعجز عنه الكلمات، بالنسبة لي أجدها أحياناً كنوع من حب الذات والبحث عن مكنون داخلي لا وجود له في مكان آخر، ولا شك في أنك تحتاج إلى الوحدة حتى تفهم نفسك أولاً قبل أن تتمكن من فهم العالم حولك.

ليس هذا فقط، بل قد تأتي أحيان نحتاج بها إلى عزلة داخل العزلة، شيء من قبيل أن تعتزل التفكير أو أن تحصر تفكيرك في هدف ما بعيداً عن فيض الأفكار التي تهاجمنا ونبقى محاصرين بها، فلم يعد بعضنا شغوف بعمله أو مسؤولياته المتراكمة وهو يترنح في دائرة يختلط بها المهم مع الأهم  فيزيد ذلك من التوعك الإجتماعي والنفسي المنتشر بيننا هذه الأيام. فأمر العزلة عند محبيها ليس بعداً أو ترفاً بل في الغالب هي حاجة تتحول إلى عادة، يرحلون إليها بفعل قوة جذبها المغرية، ذلك الغياب العرضي يتيح فرصاً للتفكير والتأمل والعمل ليس لها بدائل في وجودهم الإجتماعي، ذلك بدون شك يفسر نزعة الفنانين والأدباء وربما العلماء إلى رغبتهم بالانعزال فهم يحاولون فهم نتاج أفكارهم وتحويلها إلى شيء ملموس والبحث في تجاربهم الخاصة، قد تكون العزلة طوق نجاة ومعنى صعب وحدهم باستطاعتهم فهمه. 

الجميل في الأمر أن العزلة لم تعد كالسابق، ونحن نعيش في  عوالم إجتماعية عديدة منها الوهمي و الافتراضي والواقعي مع أشخاص حقيقيين أو مع شاشات ذكية، ما يعني أن هناك فائض من التواصل الاجتماعي،  لذا لم تعد العزلة حالة مذمومة تشعل الفضول لبحث أسبابها وإسقاط العديد من التنبؤات النفسية على من يتسنى له أخذ فسحة فارغة إلا من نفسه، لأن معظمنا صرنا متشوقين للفرار من هذا التواصل الزائد في كمه وزمنه وأشكاله، بل الأجمل خبر قرأته منذ فترة لفتني ولا أذكر عنوانه بالتحديد لكنه تحدّث عن خرافات تدور حول العزلة وبرّأها من جميع ما ينسب إليها من أبعاد سلبية ودعم بالحجج العلمية دورها الكبير في تنمية الإبداع.

حقيقة بتُّ أعتقد أن تلك العزلة المؤقتة مطلب جماهيري نُجمع على حاجتنا له، وبأنها مكان نرتبط به لاحتضانه لجنوننا وهمومنا وصدقنا وكذبنا، مكان مراياه فقط تعكس ما تراه بشفافية مطلقة، قد نجد فيه هويتنا التي ضللّها الازدحام، تماماً كما قال دستوفسكي “العزلة زاوية صغيرة يقف فيها المرء أمام عقله”. 

كتاباتي

الاحتراق الإبداعي

ليس غريباً أن يصبح المبدع سجين إبداعه، فالإبداع يشبه الكثير من القضايا الإنسانية التي تتحدّى ما تواجهه يومياً من ضغوطات وحواجز يفوق إجتيازها، إجتياز الحواجز الأمنية المتشددة في أكثر البلدان إنتشاراً للفوضى وإنعداماً للأمن، كون المبدع  يعاني من تلاشي الأمان في عالم أصبح فيه الإبداع فضفاضاً مثل بالون عملاق يطير بحمولة غير مفرزة، مختلطة بهواء غير نقي، ويمتلئ بإبداع مشتبه به، باستثناء المبدعين الذين يعيشون أوفياء لإبداعهم الحقيقي المغروس فيهم حتى اللحظة الأخيرة، أولئك الذين يسكنهم هاجس الإبداع ولا يبحثون عن صيغة رثّة مهما كان شكلها أو قيمتها في هواء البالون العملاق الملوّث.

لا يخفى على أحد أن المجتمع بتكوينه الحالي ،لا يلتفت إلى الإبداع ولا إلى المبدعين على أنهم نواة جِنَان لو استحق المبدع نصيبه من الرعاية والدعم، بل قد تجد إستخفافاً بقيمة المبدع  ودوره  الإبداعي وأثره على البيئة المحيطة به وعلى مجتمعه وربما العالم بأسره إن إستطاع أن يَخرج بانتاجه الإبداعي من دائرة محيطه المحدودة أو كان بإمكانه التفرّغ لرعايته بنفسه وتطويره. يأخذني ذلك إلى  دراسات أُثيرت في علم الجريمة تقول بأن سلوك الإنسان الإجرامي يعود إلى خلل جيني أو نفسي، فتجد العلوم تتجه إلى حلّ لغز الجين المجرم كمحاولة لعلاج الظاهرة والحد من نتائجها على أنها خلل يؤثر بشكل كبير على الدول والمجتمعات متناسين في تلك الدراسة الأسباب الإقتصادية والظروف الإجتماعية والإحباطات المتكررة للإنسان التي تعزز ظهور وعمل ذلك الجين المسؤول عن الجريمة، والأهم أن هناك جين آخر يستحق فهمه وتقديره وهو جين الإبداع ، فلماذا لا يهتم المجتمع بالإبداع كوسيلة لترويض السلوك البشري والتعامل معه على أنه حالة خاصة ملحة بقدر كبير بالنسبة إلى حامل الجين الإبداعي ووارثه وحاضنه، فالإبداع حالة لا يمكن السيطرة عليها أو قولبتها أو حتى نسيانها، وإهمالها له تداعيات سلبية كثيرة، ولا يعني ذلك تشبيه الإبداع بالجريمة ولكن الجريمة بمفهومها السوداوي تقع أيضاً عند التخلي عن الإبداع والمبدعين، ذلك ما يحدث حين ينصب الإهتمام على النتائج مهملين الأسباب.

الكثيرون يتعاملون مع الفنون الإبداعية على أنها هامش ثانوي لا يُلتفَت إليه إلا حين تسمح له الظروف بأن يفرض نفسه، كما نجد المبدع يصطدم بعوائقه الخاصة ولعل أهمها العائق المادي فيُجبر على العمل في مجال مختلف أو حتى مضاد لإبداعه وهنا قد يطوي صفحة إبداعه إلى إشعار آخر أو  قد يمزقها بلا عودة، وحتى من يسعفه الحظ ويجد فرصة عمل تتفق مع شغفه، يواجه عراقيل أخرى وقيود تحدّه، مثل القوانين الإجتماعية غير المرنة، أو منافسات سلطوية غير منصفة، أو يقع تحت رحمة بيروقراطية المؤسسات، وبالتأكيد لا يقتصر الإبداع على الفنون الذهنية والفكرية والعلمية، فكل شخص لديه إبداعه الخاص، ذلك ما دفع إحدى الشركات العالمية إلى دراسة التفاوت بين فرق العمل لديها حين  لاحظت أن إحدى  فرق العمل لديه طاقة إبداعية وإنتاجية ملهمة بينما فريق العمل الآخر في المؤسسة ذاتها وله نفس الظروف المقدمة من المؤسسة، أقل إنتاجية وإبداعاً، وإتضح أن الفريق المبدع يتشارك جميع أعضائه في الآراء والمهام من باب إحترام كل عضو من أعضاء الفريق ويتم تقدير وتبني الأراء والمبادرات المقدمة منهم، وحين  إجتمع إبداع الفريق إنعكس بالتالي على أدائه بينما لم  يكن ذلك هو الحال لدى الفريق الآخر الذي إحتكر فيه المدراء الرأي وأصبح الباقون مجرد منفّذين لقرارات الغير ليس أكثر.

 أعتقد بأننا نتفق على أن هذه الصورة لا تقتصر على إدارة المؤسسات بل جميع الهيئات الفكرية والأدبية والعلمية، وبأن حالة الفريق الثاني هي الأكثر إنتشاراً، ذلك يضع بلا شك المبدعين في عراك مع ذواتهم وإبداعهم ومحيطهم، لذا أصبحنا نحارب ونقاتل من أجل الحصول على فسحة ضيقة للأحلام أضيق بكثير مما نحلم لكنها المساحة الوحيدة المسموح لنا بها هذا إن إستطعنا حيازتها. 

من الملاحظ أيضاً وهو مما يعكر صفو الإبداع، أن الإبداع، والريادة، والتميز، والتفوق، جميعها كمفاهيم أصبحت تحتمل التأويل وتشمل من يملك ذلك الجين المبدع وغيره على حد سواء، لعل الإعلام الرقمي ساعد في ذلك فلم يعد المحتوى ذا أهمية بقدر الصورة التي حين تأخذ نصيبها من الترويج تستحوث على الإهتمام بمنأى عن قيمة الإبداع وأهمية دعمه وتوجيهه. بعض المبدعين يركبون الموجة محاولين الموازنة بين نتاجهم القيّم وما يطلبه الجمهور، والبعض يبقى ساكناً لا يقوى على مجابهة التغيّر ويعتبره ضد الإبداع وضده شخصياً ويسرد لك قائمة من الحجج المقنعة بأن الحالة السائدة لا تلائمه ويدخل في  موجة مقاومة لهذا التغيّر العام.

شي آخر يواجهه المبدع، وهو المبدع الآخر، نعم عالم الإبداع على إتساعه وإختلافه مليئ بالتناقضات وبعيد جداً عن المثالية، يد المبدع الخبير قد لا تمتد لمساعدة مبدع يحاول شق الطريق للتعريف بمشروعه الإبداعي ويجهل قنوات نشره وسبل تطويره، تماماً ككل المناصب والكراسي المتنازع عليها في هذا العالم، بعض أصحاب الخبرات يحاولون الحفاظ على أمكنة بطبيعتها تحتمل وجود الجميع لكنهم يستأثرون البقاء فيها وحدهم.

الكثير من الإبداع تلاشى في مهب الظروف أو أصبح ضئيلاً عاجزاً عن إخراج ذاته، لأن المبدع إحترق من الداخل وطُعن في إبداعه وأضحى يعاني من سكرات الإبداع.. 

ويبقى السؤال..

أخلقنا ليندثر الإبداع الذي يحرك أرواحنا ويغذِّيها بالأمل؟ 

كتاباتي

“صفعة القرن” (سجل أنا عربي)

بعض الأحداث الإجتماعية اليومية باتت تعكس مدى تأثير حالة التفكك العربي الجارف الذي وصلنا إليه،  لم يعد الأمر سياسياً البتة، وأقصد بذلك بأنه لم يعد يقتصر على قرارات الحكومات وتضحياتها المتكررة بنا، أو ذي صلة بدهاليز الحروب الإقتصادية، بل عُمِّم حتى لم يعد منا من يملك أضعف الإيمان  بما هو عربي. وتفشّت حالة من الفوضى الروحية والفكرية صارت تسود أذهان أفراد الشعوب العربية، حتى من يحاول التمرد على ذاته آملاً بأن يُبقي على جذورٍ عربية لا بد وأن يصيبه الشك بها، ولا يجني بعدها سوى القشور،  ذلك أننا جميعاً نعترف بأن الوضع الراهن خطِر إن لم يكن الأكثر خطورة عربياً وعالمياً وخطورته تتعدى عدد القتلى والشهداء وتتجاوز إحتلال سلطات حكوماتنا وأراضينا ونفطنا وثرواتنا على إختلافها، خطورته بإحتلالنا من الداخل، ذلك هو الإحتلال الذي يصعب بعدها مقاومته. تلك هي صفعة القرن الأقسى التي يمكن لأي عربي أن يتعرض لها، دون أن يدرك أو لنقل دون أن يعترف بأنه شريك بها وبأنها إرتدت عليه أخيراً وبشكل مهين. 

ما يثير الغرابة والتساؤل -وليس الدهشة فنحن فقدنا حتى دهشتنا منذ زمن بعيد- هو الإستسلام التام كظاهرة عامة أمام أي تحدٍ جديد يثار على أصعدة السياسة والإقتصاد والوطن والحقوق، وصلناإلى حافة الإفلاس والعجز في قدرتنا على المجابهة، لذا وبسبب تراكم الإنهزامات، صرنا نتقبّل مصائرنا وكأنها حتميّة لا دور لنا بها ولا نفع من التمرد عليها. 

ذُعرت مؤخراً من ردود أفعال البعض منذ الإعلان عن ورشة البحرين التي أقيمت الشهر الفائت، لما يُدعى مؤتمر السلام الإقتصادي، فالبعض وصل به اليأس لإنتظار حصته من هذا الإنتعاش الإقتصادي المزعوم وراح يتساءل عن الفرص التي يمكن أن تتاح عربياً، مشددين على أن “صفقة القرن” ستصل مبتغاها كاملاً شاؤوا أم أبوا ذلك، وآخرون إتخذوا الجانب السلبي الأكثر أماناً وهو الصمت، لعلهم فقط علّقوا على موجات الإحتجاج ضد صفقة بيعنا بأن الصفقات تتم حتى لو ثار من ثار أو سكن من سكن فالقرارات لم تعد بيد الشعوب!، وأما من تبقى وهم كثر بعزيمتهم وإن كانوا قلة بأعدادهم ثاروا رفضاً لها وما زالوا يرفضون كما هم دوماً. 

الأكثر جفافاً في هذا كله مزاعم أولئك الذين يدّعون بأنهم لا يحركون قلوبهم ولا ضمائرهم الساكنة بكون الأمر برمته شأن فلسطيني، متناسين بذلك كله أن صفقة القرن وجميع الإتفاقيات والمعاهدات السابقة لها منذ بداية الألم الفلسطيني إلى الآن تمت بمساهمة عربية وأن الإنقسام الهزلي الذي نعيشه يعود بالدرجة الأولى إلى إنتشار هذه النظريات وأصحابها، وحتى زمانياً فهي تعود إلى ما قبل الأزمة الفلسطينية طمعاً بعوائد الإنقسام من حيث السلطة والمال. الشأن المحلي لأي دولة عربية هو همّ عربي بالضرورة، أتذّكر الشاعر الفلسطيني الكبير “مريد البرغوثي” في أحد اللقاءات التلفزيونية بعد ثورة يناير بمصر، قال أن البعض كان ينتقد تدخله بالشأن المصري من خلال آرائه ومنشوراته، من قال بأنه حين يكون فلسطينياً فهو ليس مصري وما معنى أن يكون عربياً إذاً! كيف لا يكون مصرياً وهو الذي درس في جامعاتها وتزوج إحدى أروع بناتها وأجملهن لغة وروحاً، كيف لا وهو الذي أسند ظهره على حيطان سجونها يوماً. أليست له كعربي وطناً وحضناً كما هي للمصريين؟. المخجل في أمثلة كهذه تتعدى الإنتقاد بالتدخل بل يصبح العربي من أحد الأقطار العربية يتلذذ برمي تهم إلى  عربي من قطر آخر رداً على تدخله في شأنه الذي يعتبره خاصاً، تتعلق بالظروف التي يعيشها الآخر في بلده إقتصادياً إو إجتماعياً، يتهمون بعضهم في ظروف خلقتها سياسات الدول وقراراتها وكانوا جميعاً ضحاياها، الهذا الحد وصل  بهم الجهل؟! المشكلة أن هناك أحقاد خفية لا نعرف لمن نوجهها فنقوم بتوجيهها إلى من هم شركاء في اللغة وفي المصير والثقافة وفي الموت شئنا ذلك أم أبينا.

ولمن يرى الأمر يفوق الجهد الفردي أو الجماعي المحدود، لا بد لهم بأن يدركوا أن الجماعة تتكون من وحدة الأفراد وصلابة القلة أمام مواجهة التحديات قد تصنع المعجزات، السودان ضربت حتى الآن على الأقل مثلاً جميلاً في تماسك النخبة السياسية والمدنية التي قادت الحراك منذ بدايته أمام المجلس العسكري رغم المحاولات العديدة لشق تلك الوحدة، في وقت برهن الإنقسام على  دوره في فشل تحقيق أهداف الثورة في بلاد عربية أخرى. 

الحصار لم يعد على الأجساد والجيوب بل وصل إلى العقول والتفكير، المدون السعودي الذي لبّى دعوة العدو الإسرائيلي، كان مجرد طعم قذر رمت به السلطات الصهونية بدعوتها مجموعة من المدونين المطبِّعين لم يكن تكريماً لهم بل هم مجرد أدوات لفتنة بين الشعبين السعودي والفلسطيني، وفي النهاية كلا الشعبين كانا أذكى من أن يمثل هذا المطبع السخيف شعباً بأكمله، فهو لا يمثل السعوديين، بل نفسه وبضعة مطبعين أمثاله، ويكفيه ذلاً أن يكون أداة رخيصة ومستهلكة إلى أبعد الحدود في أيدي الإحتلال. هذا هو الدور الجلي والواضح الذي يعمل عليه الإحتلال الصهيوني، رمي بذور الفتنة وتسليح جيوش لمحاربة أخرى، وتأليب العرب على أنفسهم، فهو كيان قائم على أساس عنصري متين، فمتى سيأتي اليوم لنتحرر فكرياً من هذا كله؟. كل فتنة تنزل بقوم وراءها أحد أفراده وليس الطرف المقابل، وكل حرب هزمنا بها كانت بسبب خيانة من أهلها وليس قوة المحارب المضاد. 

قديماً وليس من مبدأ العودة إلى الماضي ولكنه مثل لا بد وأن نقف عنده لنستذكر أن القوة لطالما كانت في الوحدة، كان الخزر يخشون العرب كثيراً حتى قالوا “ كنا لا يُقرن بنا أحد حتى جاءت هذه “الأمة العربية” فصرنا لا نقوم لها”. ذلك هو الحال حين كنا “أمة” عربية.

أن تكون عربياً لا يعني أن تكون من إحدى الدول العربية بل أن تنتمي إليها جميعاً في قلبك على الأقل، أي أن تكون عربي اللسان والإيمان! وعلى ما يبدو أن الإيمان بعروبتنا الملتصقة بنا بحاجة إلى إعادة تأهيل، فالذين يعملون على تدميرنا لن يفلحوا إلا حين يقضون على آخر فتات عروبتنا ووحدتنا والتي لم يبق منها الكثير.. 

كتاباتي

العدالة والحكمة صفات إلهية للبشر منها نصيب! فأين هو؟

يقال بأن الدولة نتاج الإنسانية وبأنها تطور طبيعي لحياة الأفراد في المجتمع، وترتب على ذلك النتاج كامتداد بديهي وجود الدول والحكومات، وكان من الضرورة إرساء القوانين وتوفير الأمان والعدل وغيرها مما يشكل أساس الهرم الإنساني للشعوب.

 يشبه ذلك ما ذكره كونفوشيوس عن الحُكم حين قال بأن الحكومات والوزارات الصالحة تلك التي تكون مهمتها الأولى السعي لتأمين الإكتفاء الذاتي وتوزيع الثروات على شعوبها بنطاق واسع إيماناً منه بأن توزيع الثروة يجمع الشعب بينما تركيزها بيد مجموعة معينة ينعكس سلباً ويشتت الشعوب، وذلك يرجع إلى رؤيته عن المجتمع والدولة فحين سئل الفيلسوف والسياسي الصيني عن مهمة الحكومة، حددها في أمور ثلاثة: كفاية الشعب من الطعام، وكفايتهم من العتاد الحربي، وثقتهم بحكامهم. 

وحين سئل عما يمكن التخلي عنه أولاً إذا ما حتم الأمر، فأجاب بأن العتاد الحربي هو ما يمكن التخلي عنه أولاً، بينما عندما ُخيّر بين باقي الأمرين الذي يمكن التخلي عن أحدهما أولاً، فأجاب لنتخل عن الطعام فالموت منذ الأزل محتوماً على البشر جميعاً، أما حين تزول ثقة الناس بحكامهم فلم يعد للدولة بقاء.

يبدو أن الأساطير لا تكذب، فلم تكن الحكمة السياسية من نصيب البشر بحسب إحدى روايات الميثولوجيا فهي مُلك للآلهه بل كان للإنسان حكمة تساعده للبقاء حياً، ولا أظن أننا نرى حالياً أي أثر لوجود حكمة سياسية مما يؤكد رواسب الأساطير التي حرمتنا إياها بل نرى صفقات سياسية إقتصادية واستغلال سياسي بكثافة مدمرة.

ولمداواة ضعف البشر وخوفاً من الآلهة على إنقراض النوع البشري زودته بما يكفي من العدالة والحكمة ليواجه بها ما يحيطه من أخطار ولتكون -وهي من صفات الآلهة- المبادئ الأساسية التي تتبعها المجموعات البشرية على أن تُوَزّع على البشر جميعاً حتى تتكون المدن وبالتالي الدول. لذلك إرتبط تطور التفكير السياسي عبر التسلسل التاريخي بالأسطورة وبالمعرفة الإنسانية وكان انعكاساً لانتظام الإنسان ضمن المجموعة البشرية. 

حتى مع تطور المعرفة الإنسانية ومع مرور الزمن توصلت النظريات الفلسفية كما عند الفيثاغورسيين كإحدى مراحل تطور التفكير السياسي والمعرفي على سبيل المثال إلى نتيجة مفادها أن الدولة تتكون من أجزاء متساوية والعدالة هي المحافظة على هذه المساواة، وبالتالي تبقى الدولة عادلة مادامت المساواة قائمة بين أجزائها.

المدينة الفاضلة بمثاليتها المبالغ بها يقر باستحالة تحقيقها أفلاطون نفسه، فهو الذي أخفق في ممارسة السياسة هرباً مما شهدته أثينا من ثورات وانصرف نحو علمه ودراساته ليعد جيلاً من الفلاسفة بعده على أمل أن يحكم هذا العالم الفلاسفة من تلاميذه، وقد أكد تلميذه أرسطو على استحالة تحقيق المدينة الفاضلة إلا أنه وجد أن العلاقة بين الحاكم والمواطن علاقة أحرار وليست علاقة طبقية.

على الجانب الآخر من نظريات الدولة والمجتمع والحكم هناك من تبنى نظرية العقد الحكومي أو السياسي وأعطى السلطة للحاكم لكنها لم تكن عند أي منها سلطة مطلقة كونها مقيدة بموجبات الأخلاق المرتبطة بالقوانين الطبيعية ويوجز ذلك الباحث توماس هوبز حيث اعتبر الدولة نتيجة لعقد مبرم بين المواطنين، يتضمن تنازلاً عن حقوقهم، وتعهداً بالخضوع لسلطة الحكم، لكنه وإيماناً منه بعدالة القانون إعتبر أن القوانين التي تصدرها السلطة لا بد وأن تكون عادلة. 

ميكافيلي الذي أصبح اسمه نعتاً للدهاء والفساد السياسي فأضحت الميكافيلية صفة لاأخلاقية، هو نفسه يقر بأن الدولة القوية لا يمكن أن تحافظ علي كيانها ومنعتها إلا إذا إرتكزت على أساس أخلاقي، كما يرى بأن الشعب أكثر قدرة وصلاحية من الأمير في الحكم والإقرار بفساد من يحكمه.

الدين والميثولوجيا، والتطور الفطري للمجتمع وبالتالي للتفكير السياسي، والأسطورة، وأبحاث كبار السياسيين والفلاسفة على مر تاريخ الدول، جميعها إتفقت على إعلاء مصلحة أفراد المجتمع الذين  تجمعهم ضرورة إنسانية لبقائهم ولحمايتهم في المقام الأول فكان من الثوابت أن تحكمهم قوانين تعود عليهم بمصلحة عامة دون أن تتجاوز الأخلاق والعدالة والنظام، حتى في اللغة أم المفردت والمعاني، فالدولة لغة تشبه ما ذكرته فكرة “هوبز”، أقليم جغرافي مستقل له نظام حكومي. 

بعد هذه الرحلة الموجزة عما دوِّن وتم بحثه، تُرى أين هي تلك الصفات الإلهية التي وُهبت للبشر من حكام العالم وولاة أمر الشعوب، وكيف أصبحت الدولة عقد إحتكار الشعوب وأرواحها وإستقرارها بل وعقد وحيد الطرف يملك الحاكم بموجبه حق التصرف بنا، وأين هي تلك الثقة بين الحاكم وشعبه التي تُشيّد بها الدول، ونحن لم نعد نثق حتى بأيقونات الدين أوالعلم الذين كانوا للبعض مرجعاً يمارسون حياتهم وفقاً لفتاواهم بعد اتضح أنهم ليسوا إلا أدوات ناطقة بما يملى عليهم، من نصدق إذاً وبمن نثق؟

كتاباتي

الدينوفوبيا٠٠ حرب الأيدولوجيات

لا يمكن أن يكون الدين بتعاليمه وغايته إرهابياً، كما من غير المعقول أن ينشأ الدين على حب السلطة وتقديم المصلحة الفردية ونشر القتل لاغتيال كل المعيقات أمام السلطة، وإلا لما لامست الأديان قلوب وعقول من آمن بها، وذلك بالطبع مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة الفطرية لدى الإنسان إلى إله يعبده وذلك ما جعل المجتمعات الأولى تعبد الحجارة والقمر والشمس بحسب ما تجمع عليه العلوم الإنسانية إلى أن نزلت الأديان السماوية. يبدو ذلك للوهلة الأولى أمراً بديهياً جداً وعلى الأغلب هذا ما يتفق عليه نظرياً على أقل تقدير معظم الأشخاص ومن مختلف الأديان والمعتقدات. ورغم هذه البديهية، تُسمى اليوم بعض الجماعات  السياسية بالإرهابية لإنتسابها إلى دين معين، ويقتل ويُختطف باسم الدين المئات، وفي المقابل يُباد الآلاف لإنتمائهم لأديانهم، كل ذلك الموت أصبح الوجه العام الظاهر للدين عند عدد كبير من الناس لا يمكن الإستهانة به أو تجاهله.

إن تلك النظرة العنصرية والمتطرفة  مرتبطة بعلاقتها مع الآخر وهي ليست وليدة الحاضر وتحمل في داخلها ما يجعلها صالحة للولادة من جديد في أي زمن قادم، لأنها تستند إلى جذور تاريخية ممزوجة بالدين والسلطة والسياسة وحرب الأيدولوجيات، حرب متجددة الأطراف والمسميات ولكنها ليست إلا إمتداداً زمانياً وثقافياً وفكرياً للماضي، وهي أيضاً حرب تقاذف مسؤولية الموت والإجرام، فكل طرف يرى الطرف الآخر المسبب للموت والعداء بينما يرى نفسه المدافع والحامي للمصلحة العامة والأرض، والثروات والدين واللغة. فأضحى الدين سلطة وليست إيماناً روحانياً، وأصبح الآخر الذي يؤمن بعقيدة مختلفة إنسان مختلف متناسين تشارك الإنسان من أي دين ولون وجغرافيا؛ بالهواء والمشاعر والإحتياجات وبالإنسانية حين نرتقي لنمارسها. 

كثيراً ما تم تناول الإسلام عبر كتب المستشرقين وحتى بعض الباحثين العرب على أنه دين نُشر بالقوة وامتد من خلال الغزوات الإسلامية، وتستند الكثير من رسائل الكراهية والعدوانية اليوم على تلك النظريات، ولا نجد من يبث الكراهية للغرب بسبب حروب الاسترداد في إسبانيا التي انتهت بسقوط غرناطة وإجبار اليهود والمسلمين على إعتناق المسيحية أو القتل، وطمس اللغة العربية باصرار عجيب حتى أن عقوبة من كان يحتفظ بالقرآن الكريم أو بأي كتاب باللغة العربية، الموت حرقاً في الساحات العامة. وكذلك الأمر بالنسبة للحروب الصليبية التي إتخذت شكلاً ورمزاً ومبرراً دينياً لحروبها، رغم أن الدراسات تتناول الأسباب الحقيقية وراء الحملات الصليبية على أنها اقتصادية بالدرجة الأولى، ولا يمكن أن يكون الدين بجوهره دافعاً للحرب.

يبدو العداء للغير حالة نحملها في داخلنا وتظهر حين تجد بيئة تناسبها، فتقبُّل الغير فن لا يمكن أن يتقنه الجميع ولا يؤمن به إلا قلة، الإسلاموفوبيا على سبيل المثال ظاهرة خلقها الإعلام بكل سهولة وصدقها الملايين، وإعتمد الإعلام على بعض المهاجرين المسلمين نحو الغرب لنشر الكراهية اتجاه المسلمين وعلى صور غير دقيقة ومشوهة عن المرأة المسلمة وكذلك الرجل المسلم وعلى أسباب  سياسية أخرى لا تحصى، واتخدوا صورة نمطية غير عادلة أصبحت عامة حتى في البلاد الإسلامية ذاتها، ومن المفارقات أنه بحسب الإسلاموفوبيا يُنظر للإسلام باعتباره دين متحجِّر وثابت ولا يتجاوب مع التغيُّرات مع أن المسلمين يؤمنون بكون الإسلام دين مرن ويصلح لكن زمان ومكان. وكأن الأمر لا يتعدى كونه إلى ماذا تنتمي ومن هو الآخر بالنسبة إليك. 

مفهوم واحد لو بإمكانه أن يأخذ مكانته التي يستحقها لكان العالم بألف خير “الإنسانية”، لكن الإنسانية لم تستطع يوماً أن تسيِّر الإنسان وتتملكه، ذلك ما سلّط أضواء الإعلام على موقف  رئيسة وزراء نيوزيلندا الإنساني من الهجوم الذي أودى بأرواح مسلمين أثناء صلاتهم الذي كان نادراً وغير مألوف، وتناوله الإعلام العربي والمسلم قبل الغربي بتقدير كبير لندرته حتى وصل الأمر للمطالبة بمنحها جائزة نوبل للسلام، ورغم كل فضائلها الإنسانية لم يتناول إعلام دولتها فعل القاتل على أنه عمل إرهابي لأن الإرهاب وسم مرتبط بالإسلام، ونُشرت مبررات المجرم كما أعلنها هو بنفسه.

لا شك بأن الدين المسيَّس أصبح أداة لخدمة الدولة ولعله يتعدى ذلك ليصبح تجارة، كيف لا ونحن نقرأ تصريحاً لوزير الخارجية الأمريكي إن “الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يكون هدية من الرب لإنقاذ اليهود” ويضيف بأن “إيمانه يجعله يصدق ذلك”. 

لعلّ ذلك ما دفع ميكافيللي لأن يكتب “انتصر جميع الأنبياء غير العزل بينما هلك الأنبياء العزل”. 

 . 

كتاباتي

رغم تصفيتنا معنوياً ما زال بعضنا حيّ ويثور

تفقد الأشياء معانيها حين يختفي دورها أو يؤول مع إختلاف الأسباب إلى دور آخر أو عدة أدوار تتنافى مع الجوهر الذي وجدت من أجله، فالقائد الذي يفترض به ممارسه أهم وأخطر الأدوار الاجتماعية والسياسية والأمنية، لم يعد سوى صورة يحركها لاعبو السياسة وأصحاب السلطة الحقيقية والسيادة وأما الهدف وراء حمايتهم للصورة الظاهرة التي تتخذ هيئة قائد أمام الشعب هو مصالحهم  في المقام الأول وفي المقام الأخير ولا يتم أخذ الشعب بالإعتبار وهو الذي وجد الرئيس من أجل إدارة شؤونه وحمايته. 

لا يخفى على الشعب بأكمله  أن وراء الرئيس منظومة حكم ومؤسسة تحكم عنه، وبأن الحكم بحد ذاته مؤسسة تملك النفوذ المطلق، وليس رئيس ينفرد بقراراته مع مستشاريه وممثيلي شعبه، وبأن معطيات الحكم كلها ليست إلا مسرحية يؤدي فيها الرئيس دور الحاكم وهو محكوم، و ويدرك الشعب وبالأسماء تلك الشخصيات خلف الستار التي تدير العمل المسرحي وتخرجه على نحو منسجم مع النص الذي كُتب ليخدم مصالحهم. ولأن تلك الحالة عامة؛ لن أحددها بجغرافية معينة فما حدث ويحدث في الجزائر من حراك شعبي رفضاً لولاية خامسة للرئيس بوتفليقة، مجرد مثال ينادي ذاكرتنا وأفكارنا للتأمل وامتداداً لجغرافيا عربية ما زات تحصد يومياً آلاف الشهداء والقتلى والمعتقلين. 

تساءلت مراراً عن أولئك الذين يرفضون ترك كراسي الرئاسة خلفهم رغم انتفاضات شعوبهم وانقلابهم عليهم، كيف يتصالحون مع كونهم دمى تحركهم قوى الدول العظمى بينما يمارسون سطوتهم على شعوبهم فقط، ما الذي يجعلهم أسرى الحكم إن كانوا يفقدون السيطرة التامة عليه في أغلب الأحيان، إلى إن وجدت تفسيراً لدى ميكافيللي حين قال “ إن الناس يحزنون لانتزاع ملكية منهم، حزناً يفوق حزنهم على موت أب وأخ، لأن الموت يُنسى أما الثروة فلا تنسى أبداً”.

المعاني والعبر والقيم تلك كانت الأعمدة الأساسية لبناء شخصية الفرد، جميعها أُبيدت ولا شيء محدد حل مكانها لذا نجد أنفسنا نتعايش مع مفاهيم ذات معايير مزدوجة، الإرهاب، والرئاسة، والحق، والموت، والشرعية، والدولة، والأرض، والإنتماء. كلها تحمل العديد من المعاني، ستراها بشكل مغاير كلما تنسى لك تغيير العين التي ترى من خلالها، وبسلطة الإعلام يتلون المشهد بألف لون وأكثر.

كل ما يحدث حولنا يزيد هذ العالم ضبابية وشحوباً وجعل منا أجسادنا بلا أرواح، داخلنا ميت بلا شك، وعقولنا وأفئدتنا وضمائرنا مزدحمة بالفراغ، أضحينا مجرد قوالب واندثرنا مضموماً، ذلك ما يحدث حين نفقد أيقوناتنا التي كان لها الدور الأكبر في جذب وشحن دواخلنا لنحلم وونفكر ومن ثم نسعى لأن نحقق ذوات تشبه تلك النماذج الخارقة التي كنا نلمح نجمها متقداً من بعيد نحاول بجهود يغلفها الأمل أن نتبع خطواتها، فلم يعد هناك مثال جدير يثير إهتمامنا، نحن والنماذج التي سبق وأن ألهمتنا نعاني من تمزق داخلي، وأما الظاهر منا فلا يعدو كونه ستار هش لا يخفي الكثير من الهشاشة التي يحتويها.

وبعد..

أصبحنا شخصيات اعتبارية يعطيها القانون شرعية الوجود بينما تقذفها الإنسانية في فوضى العدم. ذلك ما يجعل الإنسان مجرد كيان تخلو منه الكينونة. ورغم تصفيتنا معنوياً ما زال بعض منا حيّ ويثور نيابة عنا لعل ثورته توقظ بقايا الحياة فينا. شكراً للأحياء منا الذين يعلمونا معنى الوجود. 

كتاباتي

أن تعيش معصوب العينين !

ليس غريباً أن يسكننا هاجس يجعلنا نُصاب بما يشبه العمى الإختياري، أو اختصار ما نريد أن نراه وما نرغب بأن نحجب عنه أنظارنا حتى لا يتحول كما هي طبيعة المخاوف إلى أفكار ملحّة، ومقلقة، ومفزعة في الوقت ذاته، فنقوم بتركيز جل إهتماماتنا إلى أمور صغيرة ترتبط بنا إلى حد كبير ولا تتعدى محيطاً ضيقاً جداً وملتصق بنا إلى أبعد الحدود، وذلك تجنباً لمعرفة ما يجري خارج تلك الدائرة المغلقة على أسرارها.

هناك موجات هروب كثيرة يمر بها الإنسان، أكثرها صعوبة تلك التي يقضي عمره بأكمله يعيش بها هرباً من واقع مظلم ليس به بصيص نور يسمح له بأن يتنقل بين ممرات الحياة الضيقة وحواجزها المبعثرة بين خطواته، تلك العتمة تمنعه من الوصول إلى مرسى آمن بروحه وجسده وبقايا آماله. 

قبل أسابيع ضجت المواقع الإخبارية والفنية بفيلم الإثارة (Bird Box)، وتناولت بتقاريرها فكرة الفيلم وتأثر المشاهدين بأحداثه ومدى نجاحه اعتماداً على تحطيمه أرقاماً قياسية فقد تجاوز عدد مشاهدات الفيلم  كما ذُكر خلال سبعة أيام فقط خمس وأربعون مليون مشاهدة، ثم عادت قنوات الأخبار لتحذِّر من انتشار تحدي (البيرد بوكس) المستوحى من قصة الفيلم ذاته، التحدي أدى إلى كوارث مذهلة، فليس من المعقول أن يسلم من يقود سيارته وهو معصوب العينين تقليداً لبطلة الفيلم التي كان عليها أن تبقى معصوبة العينين لتتجنب رؤية مخلوقات غريبة مجرد رؤيتها يعني الموت. في الفيلم أجبر الأبطال على أن يعصبوا أعينهم لتمسكهم بالحياة، وفي التحدي إختار أبطاله أن يعصبوا أعينهم هرباً من حياة فارغة دون أن يقيموا حسابات للموت أو خطره، تاركين أرواحهم تتأرجح بين احتمال البقاء أوالإندثار فالحياة تتساوى عندهم مع الموت، فلا شيء يعنيهم أكثر من تجربة مثيرة حتى ولو كانت تجربتهم الأخيرة.

من منا لم يعش معصوب الفكر هرباً من تحديات رمت بثقلها على كاهله أو ضائقة لحقت به، الحياة مليئة بأمثلة يمكنها أن  تكفي الكون حتى آخر أيامه دهشة وإثارة، فكرة الفيلم والتحدي الذي لحقه ليسا إلا واقع عُرض علينا عبر صور سينمائية، وإلا لما شعرنا يوماً بمدى قرب الأحداث منا، ورغم ذلك يتعدى الواقع ما يعجز الخيال عن تصوره أو نقله . 

كثيرون هم الذين يعصبون بصيرتهم فراراً من تحديات الحياة ومفرداتها عصية الفهم، بعضهم يبني لنفسه عالماً بعيداً عما يدور حوله ولا ينتمي إلا له، ويرفض أن يتصل مع مجريات الأحداث العامة في عالمنا الحقيقي، لكنه في النهاية يبنيه مع هم مثله، وأولئك في نهاية المطاف يتجاوز عددهم تلك الملايين التي شاهدت الفيلم خلال أسبوعه الأول، فهم يعصبون بصيرتهم كمنهج حياة. 

لهذا نجد طبقات إجتماعية لا يعنيها في حياتها اليومية ما آلت إليه الثورات العربية، أو مدى تأثير الأزمات الإقتصادية على دولنا، أو عدد شهداء فلسطين وسوريا، لا يعنيها حتى إن سقطت أنظمة أو تغيرت خارطة العالم، طالما أن ما يحدث لايؤثر على تفاصيل حياتها اليومية البسيطة أو المعقدة، فكل ما يحدث خارج حساباتها، فهي تسمع وترى وتتكلم لغتها وتمارس طقوسها الخاصة. ولنكن على الحياد، لا ألوم البعض فهم توصلوا إلى قناعة تامة بأنهم مهما فعلوا لن يغيروا هذا الضيم الذي يعيشه العالم وبأن السياسة والإقتصاد لغات لا يفهمها ولا يملك فك شيفراتها إلا أصحابها،  فما الذي يجعلهم يتحررون من عصابة أعينهم وهم إن رؤوا تلك الوحوش السياسية سيلحقهم الموت النفسي والإجتماعي إلى أن يصلهم الموت الجسدي. 

التحدي الذي يمكن أن نطلقه حقاً هل يمكن لأحدكم أن يعيش معصوب العينين حتى يعيش حياة هادئة كما يعيشها البعض، متناسياً ما تزفه قنوات الأخبار من دمار.

كتاباتي

الكاتب تحرضه الكلمة وتحاصره الفكرة

أكثر ما يخيف الكاتب،  فكرة خام تؤرقه وقد عجزت لغته عن صقلها، ذلك ما يجعل من الصفحة البيضاء الفارغة من أفكاره وكلماته ذعراً حقيقياً يفزعه كما لو أنه يواجه أخطر عدو على تخوم حضوره الأدبي، فهاجس الكتابة يجعله يضع الحياة والكتابة في ميزان تتساوى دفتيه، وقد ترجح في نفسه ولو سراً دفة الكتابة لأنها بالنسبة إليه وجوده الحقيقي. 

خلال الأسابيع الأخيرة من نهاية العام ، تكثر الإصدارات الأدبية الجديدة، الشعرية والروائية والنثرية،  ويضع  النشطاء من القراء خططهم للقراءة خلال العام الجديد ويعلنون تحدياتهم بإنهاء قراءة أعداد كبيرة من الكتب، حتى الجوائز الأدبية تعلن عن قوائمها أو تفتح أبوابها أمام مرشحين جدد لدورات العام الجديد، ووسط تلك الموجة العذبة التي تحدث نهاية كل عام يتساءل بعض القراء ممن خالفت بعض الأعمال توقعاتهم خاصة أولئك الذين ينتظرون كاتباً معيناً يتابعون جميع إصداراته، إن كان هناك سبب ملحّ لأن يُصدِر الكاتب كتاباً جديداً إن لم يكن لديه فكرة فريدة ومغايرة لإصداراته السابقة، فهل هناك ما يستوجب أن يصدر عملاً جديداً  ليبقى حاضراً بين الحضور، ويتجاهل بضعف عمله الجديد قوة أعماله السابقة وأثرها على قُرّائِه كما يتصورها محبوه وبأن الناقد الحقيقي الذي يمارس سلطته بالتقييم دون قيود تحده هو القارئ نفسه الذي قد ينقلب عليه أو يبقى درعه الحامي.

أجاد العبقري ماركيز التواصل مع القارئ أثناء كتابته لكلاسيكيتة الشهيرة “مئة عام من العزلة” فقد نشرت إحدى الجرائد الإسبانية تحقيقياً حول روايته الأسطورية ، قيل في التحقيق أن ماركيز بعدما قرأ روايته وهي شبه مكتملة شعر بأنه تورط بنصه كمغامرة تتصارع بها الكارثة مع السعادة، فانتابه ما يشبه التراجع وعدم الحماس لنشرها، فالكاتب حتماً متورط بنصه، ذلك ما دفعه وهو صحافي قبل أن يكون روائياً، إلى نشر سبعة فصول من روايته في صحف مختلفة، لتطمئن وساوسه وتهدأ ريبته، ونتيجة لنشره تلك الفصول تابع ماركيز آراء وانتقادات القراء باهتمام حتى أنه قام بنشر أحد الفصول في جريدة معظم قراؤها من النقاد والقراء المتمرسين، وأعاد ماركيز كتابة الفصول المنشورة في الصحف بحسب ما تلمسه من القراء فجاءت الرواية بتلك الواقعية والغرائبية التي جعلتها أيقونة أدبية فريدة، وأخذت تلك التعديلات عاماً إضافياً حتى ينتهي من كتابة روايته كما نُشرت بنَصها الأخير. 

قد تتوقف الكلمات فجأة وتصبح عسيرة الوجود، وقد تبقى حبيسة فكر الكاتب حتى يتأتى لها ظرفاً يناسبها لترسى أخيراً على صفحاته، وفي أتون هذا الركود تأبى الكلمات الهوادة  وتنزف الأفكار أحرفاً  ومفردات مشوشة من حصارها. يحدث أن يتعرض الكاتب لما يسمى“قفلة الكتابة” حين تهجر الكلمات صاحبها وترصد أثر بُعدِها بينما هي على شفا أصابعه تلوح بظلها وتثير رائحة الأفكار والأحداث، قريبة وبعيدة في الوقت ذاته، ذلك ما يجعل الكتابة عمل مضني لأن الكاتب يُدمن ممارسته للكتابة وصياغة مفرداته بذوقه وحسه الخاص  ويشغله هم أبحاثه ومشروعه الأدبي أو العلمي، وغالباً ينسحب القارئ إلى عالم النص الداخلي ليجد نفسه طرفاً من أطرافه، وقد يظهر للقارئ الذكي أثر صراعات الكاتب مع قسوة الكلمات وصلابتها، رغم ذلك  في معظم الأحيان يجد الكاتب لنفسه فسحة للكتابة حتى لو اختلفت عما هو معتاد فهذا جزء من ترويض الكلمة، لذلك نجد الكاتب يكتب في أنماط الكتابة المختلفة، قد يهرب من الرواية إلى الشعر أو يستظل بالنثر، فهو لا يملك إلا أن يكتب لأن الكتابة حاجة ملحة. 

كتاباتي

“والله قد عبتم على ما أقررتم لابن الخطاب”

لدينا تصور داخلي بأن الآخر أفضل، وبأن ما لا نملكه بين أيدينا يمتاز عما هو متاح بمزايا لا نحاول حتى حصرها؛ لظنِّنا بأنها لا تحصى، شيء ما يجعل التمرد حالة نعيشها وليس مجرد صفة تتغلب علينا أو نغلبها بحسب الظروف، حتى الأوطان نهجيها في عقر أحضانها ثم نغدقها مديحاً في بُعدها. 

نتوق لمدينة فضلى بعيداً عن الفضائل، ذلك ليس بالأمر الغريب، بل هو جزء من النقيض الذي نعيشه،    ذلك ما جعل كل المدن الفاضلة كما تناولها الفلاسفة في أبحاثهم المستفيضة ورغم كل ما أحدثوه من تطور على الفكرة الأم بقيت المدينة الفاضلة وهماً بعيداً لم ير الوجود.. ولن يراه. منذ أوجدها أفلاطون لتكون مجتمعاً ضيقاً يستند إلى الفضيلة كمرتكز أساسي وحتى طوّرها الفارابي لتكون أقرب إلى التحقيق كما ظنّ وجعل لها مفهوماً أوسع بحيث تكون مجموعة من المجتمعات أو الأمم المتحالفة فيما بينها، على أن تبقى الفضيلة شرطاً  لتحقيقها فأراد بذلك مجتمعات إنسانية فاضلة ومتحالفة، أيمكن أن يكون هناك وهم أكبر من إجتماع التحالف والفضيلة معاً ونحن غالباً ما نتوغل بالحرب والرفض، حرب الفضيلة ورفض التحالف.

من أقسى الثورات عبر ممرات االتاريخ، إن جاز لي أن أسميها ثورة، فهي تكاد تكون نقطة سوداء لها عبرها ولها مآخذها، مقتل الخليفة عثمان بن عفان، الذي جعل بيته بيتاً لمال المسلمين قبل أن يكون للدولة آنذاك بيت مال، والذي زاد الخير في زمن خلافته وزادت الثروات واتسعت الدولة، وقد واجه أصعب منعطفات وأزمات قد تمر بخليفة أو حاكم، ففي بداية حكمه بعد مقتل عمر بن الخطاب زاردت الفتنة وانسحبت الدول الكبرى مثل الروم والفرس من معاهداتها السابقة مع الدولة، فواجه ما يشبه الردة ممن هم خارج الدولة ونزاعات داخل دولته، واستطاع أن يدير الأزمة بإدارته وخبرته، وفي زمنه واجه الغزوات البحرية التي لم يعهدها خليفة قبله، فعمر بن الخطاب كان يتجنب أي مواجهات بحرية ويفضل الصلح على ركوب البحر، لكن مواجهة الغزوات البحرية فُرضت على عثمان للمرة الأولى واستطاع أن يديرها رغم أنها تعد سابقة، الكثير من المواقف أدارها عثمان بدراية وفطنة وشواهد الأحداث والتاريخ لا تحصر، ورغم مكانته وأمانته ومواقفه، كان من انقلبوا عليه حتى قتلوه يتهمونه بالضعف، أما دليلهم لضعفه هو منهج الشورى الذي اتبعه عثمان،  وانقياده لمستشاريه، -الشورى- التي حتماً لو لم يتّبعها لاتهموه بأنه أحادي الرأي ومتفرد بقرارات دولته، فقد رفضوا خلافة عمر بن الخطاب من قبله لشدته وحزمه، فروي أنه عندما حضرت الوفاة أبا بكر، سأل بعض الصحابة حوله عمن يتولى الخلافة بعده وأشار إلى عمر، فذّكروه بشدته وقسوته،فأجاب أبوبكر: إنه يشتد لأنه يراني رقيقاً فإذا وكل إليه الأمر فلا خوف من شدته.

 فلا هم رضوا باللين ولا بشدة، بل وكثرت بعدها المقارنات في زمن عثمان بينه وبين عمر بن الخطاب، ومن خطبته بعد تفاقم الفتنة،“ ألا فقد عبتم على ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطّنكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم، ولنت لكم وأوطأتكم كنفي وكففت عنكم يدي ولساني فاجترأتم عليّ”.                                                                                                                                   

ذلك البعد المتناقض القديم المتجدد الذي يرسو في خوالجنا، جعل من ثورات زماننا بدايات حارقة، فلم ترتق أي منها إلى ما هو أبعد من البداية، بعضها تحولت إلى حروب قضى فيها من قضى دون أن يعلم إن آلت روحه العابرة دعامة تسند عقيدة التغيير التي آمن بها،  وبعضها الآخر لم تؤت أوكلها وعادت بثوارها إلى ما قبل البدايات وأقسى، وحولت عقائد الثوار التي ظنوا أنها تجمعهم إلى خصومات ضيقة وطمست أهداف ثوراتهم، وإنقلبت عليهم.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  

كتاباتي

حياتنا ليست إلا “حمل مهدّد”

لا نخفق حين نُهزم فحسب، بل حين نخضع للحياة وهي ترمي عثراتها بين فواصل خطواتنا فتموت رغباتنا، أو تبقى دفينة في جسد خفي من أمنياتٍ تستظل تحت عريشة الأمل. ولنكون أكثر صدقاً مع أنفسنا حتى الأمل تراجع عن كونه فضاءاً رحباً نتكىء عليه، أو لعله هزم هو الآخر، فلم يعد هناك ما نسند عليه خيبتنا.

ورغم ذلك هناك من يدفع بإصراره ثقل العثرات ويعيد المحاولة، ذلك أن الإصرار وحده وريث عرش النجاة من شباك مُعدّة لامتحاننا لنـُثْبِت أحقيتنا في البقاء أو الاندثار. وعلى الجانب الآخر هناك من يأبى مواصلة رحلته عندما يصطدم بعبثية الحياة وتطوِّقه هفواتها فيفضِّل البقاء في جوف الأمان الذي أعدّه لنفسه بعيداً عن الوجود، في هدوء العتمة وسلام العزلة.

المطاف لا نهاية له، تلك حقيقة، فالنهاية وهمٌ كبير، والوهم ساحرٌ بحيث يُلقِى بظله الطويل علينا فلا ندرك أن ظلّه الغامض يُمحَى بإعادة توجيه خطواتنا نحو ممر آخر يفضي إلى الطريق ذاته الذي نقصد الوصول إليه.

ذلك ما حدث بينما كنت أكتب روايتي التي صدرت أخيراً بعنوان “حمل مهدّد”، ربما هي قشة الغريق التي ذابت من فرط تمسكي بها، هي ما جعلت للنهاية معنى جميل بحيث تحولت الرغبة الجامحة بكتابتها إلى واقع وُجد أخيراً بعد جهد كبير، كثيراً ما شعرت بالانهزام وربما الرغبة بالتوقف وإرجاء كتابتها لحين استكمال بحثي عن التفاصيل والمعلومات اللازمة لبعديها الزماني والمكاني، لكن القوة الكامنة داخلي كانت تعيدني للعمل والبحث الدقيق كلما وصلت إلى حافة الإستسلام، هناك بعدان لأي عمل نتوق لتحقيقه، الأول وجوده الراسخ في وجداننا، ووجوده يشبه النطفة التي نحملها في رحم أمنياتنا فإما أن تنضج وتولد وإما أن تجهضها الظروف وهي ما تزال في طور التكوين، أما البعد الثاني ولعلّه الأهم، فهو القوة الكامنة فينا لإعادة بناء وترميم أحلامنا وأعمالنا وشيكة الإجهاض وحتى تلك المجهضة يمكن إعادة تكونيها إذا كان ما نحمله فينا يؤمن بأرحامنا كأننا له وطن، وليس مجرد وهم مرمي على ساحل مهمش في طريق الحياة.

الحقيقة كانت الظل الوحيد الذي قررت أن أصنع منه عريشة تعلو أفكاري وتحميها، والحقيقة هي أني أردت لهذه الرواية الوجود، فتحمّلت مسؤولية نقل هموم أبطال الرواية الذين قابلتهم واستمعت إلى ظروفهم ومشاعرهم وتجاربهم، كانت ألسنتهم تنطق بواقع يبدو خيالياً، فكنت كلما تعبت حدّ الإستسلام تعيدني قسوة تجاربهم إلى صفحات روايتي، وجعلتني مقدرتهم على استكمال حياتهم رغم الإنكسارات الكبيرة أستكمل عملي من نوافذ واسعة حين تضيق نافذتي الخاصة. ودرّبت نفسي أن أرى النهاية بداية جديدة، أوسع أفقاً من سابقتها عملاً بإحدى مقولات الرواية: “قبل أن تقترب من هزيمة حلم، عليك أن تتعلق بقشة حلم آخر”، حتى لو أعدت كتابة فصول الرواية من جديد، فالرواية تستعرض حياة أبطال يحاولون بجهد تجاوز هزائمهم وإخفاقاتهم الداخلية بالسعي وراء أحلام تعيش في رحم الأمنيات في ظل الحرب وما لحقها من مفاجآتٍ وإنكسارات، فكان لكل شخصية في الرواية طابعها الفردي الخاص وتتقاطع مع الشخصيات الأخرى بالحنين إلى وطن لم ينصف عاطفتها، فهي مزيج من تناقضات الحب والحرب واللجوء والأمل والنجاة والموت.

سرّ آخر كان يدفعني للاستمرار .. الإنتماء للنفس وما تحمله في داخلها..
من حقنا أن ننتمي إلى أنفسنا.. لمن ننتمي إن لم يكن انتماءنا الأول لذواتنا.