أن تقرأ لسلمان رشدي!

تختلف وجهات النظر، والذائقة، والآراء، فالأنماط الإبداعية تختلف بحسب أصحابها وطبيعتها، والدوافع خلفها، كذلك يحصل الأمر ذاته بالنسبة للمتلقي، فالإبداع قد يتوغل في وجدان المتلقي أو قد يحدث عكس ذلك وتقذفه الذائقة بعيداً لأن تأثير الإبداع نسبي من شخص إلى آخر، حتى اختياراتنا قد تكون متناقضة في بعض الأحيان، على أمل ألا يُفسد هذا الاختلاف الودّ، أو يحولنا إلى خصوم تفجر براكين الانتقادات غير الملائمة لمدى الاختلاف أو طبيعته.

تلقيت بغرابة ردود فعل بعض الأصدقاء، حين قمت بنشر صورة غلاف “أطفال منتصف الليل؛ لسلمان رشدي كإشارة لما هو قيد القراءة حينها. وتلقيت وابل من الاستنكار ملحق بعلامات تعجب. 

بالطبع كان وجه الاعتراض أني أقرأ لمؤلف “آيات شيطانية”، ولم يشفع لي بأني أقرأ “أطفال منتصف الليل” الحاصلة على عدة جوائز عالمية وربما أكثرها، مع إيماني الدائم بأن الروايات الحاصلة على جوائز ليست بالضرورة هي الأفضل، فهناك ذائقة مختلفة للنقاد، وغالباً ما أثق بذائقة القارئ بالمقام الأول، وبفضولي، ورغبتي بقراءة كل ما يتسنى لي قراءته. تلك الموجة المُستنكِرة لم تخفف من رغبتي بإكمال قراءة الرواية، بل كانت بالنسبة لي، و بحيادية تامة، مثالاً جميلاً لرواية تنتمي لأسلوب الواقعية السحرية كما هي روايات رشدي، وخلّفت بدورها أسئلتي الخاصة.

بعيداً عن البعد الديني الذي تجرأ سلمان رشدي على تخطيه، ووقع ضحية شيطان أفكاره، في رواية “آيات شيطانية”، فإن روايته أطفال منتصف الليل كُتبت قبل سنوات طويلة من آيات شيطانية، تماماً كما كُتب على غلافها الخلفي “لم يقرأ كثيرون رائعة رشدي التي صدرت مطلع الثمانينات، لقد توقف العرب عند “آيات شيطانية” ولم يخرجوا منه إلى اليوم.

ما ورد على الغلاف يتعدى رشدي ورواياته، فما يحدث أن البعض يتوقف عن الرغبة في المعرفة، بمعنى أدق، يتوقف عن القراءة لكاتب معين وقد يصل إلى الاستخفاف به، لمجرد ظلال نقدٍ هاجمت الكاتب، تلك التي يصدرها بعضهم ويلحق بهم آخرون، دون دراية بالأسباب، أو إن كانت تستحق ما إتُهم به الكاتب أم لا.

 المسألة ليست بما تحتويه الروايات، أو إن كانت تتقاطع مع أفكارنا وعقائدنا أم لا، فمنذ فترة، حدث موقف مشابه، فقد كنت أيضاً أقرأ لكاتب أصبح مؤخراً غزير الإنتاج بصورة ملفِتة، حتى أن القراء باتوا ينتقدون كثرة إصداراته، لما في ذلك من تكرار كما يرون، ووصلتني  حينها علامات التعجب ذاتها. أيعيب الكاتب كونه غزير الإنتاج، لأتوقف عن قراءة رواية جذبني موضوعها وعنوانها ولغتها؟ أم على الكاتب أن يتوقف عن الكتابة إرضاءاً لمنتقديه؟هناك من يعطي نفسه حق النقد، وفي ذلك حرية للرأي، بينما آخرون يتبعون الموجة ويتبنون أفكاراً متجاهلين أصل الفكرة وأسبابها.

أيضاً نشرت إعلامية كانت قد خاضت تجربة الرواية والنشر، منشوراً تضمن عتاباً لأحد  الكتّاب الذي هاجمها لاعتبارها من وجهة نظره قليلة الخبرة حتى تخوض تجربة الرواية،  وذلك رده على أن روايتها الأكثر مبيعاً بحسب دار النشر، وقطعاً تبع تعليقه تعليقات لا تنتهي لمن يوافقه الرأي ويهاجم الكاتبة، وبكل تأكيد لم يقرأ روايتها أياً ممن كتب تعليقاً أو انتقص من تجربتها. 

إحدى أكثر الكاتبات العربيات شهرة تتلقى علامات التعجب ذاتها، وغالباً ما أُلاحظ موج جارف من التعليقات للتقليل من أهمية نصوصها، التعجب يطال منشوراتها ومنشورات مريديها فهي أكثر الكتاب نشاطاً على صفحات التواصل الإجتماعي. ذلك يوضح كم أن النقد المُعدي يطال الجميع، -ليس الجميع- فلا أحد ينتقد عملاً لم يُنجَز. 

يبدو الانتقاص من النجاح مع نسبية هذا النجاح ظاهرة عامة، وستبقى كذلك،  فليس من السهل إن نتقبّل سوى الاعتيادي، والمتفق عليه برمادية بائسة. وسيظل هناك مع كل خطوة يقوم بها المبدع من يحاول بلا طائل سفك روح الإبداع، وسيبقى الإبداع علامة تعجب فارقة.